سورة الحج - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{وَأَذّن فِى الناس بالحج} ناد فيهم، والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع. ورُوي أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم. فأجاب من قدر له أن يحج من الأصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك. وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع. والأول أظهر وجواب الأمر {يَأْتُوكَ رِجَالاً} مشاة جمع راجل كقائم وقيام {وعلى كُلّ ضَامِرٍ} حال معطوفة على رجال كأنه قال: رجالاً وركباناً. والضامر البعير المهزول، وقدم الرجال على الركبان إظهاراً لفضيلة المشات كما ورد في الحديث {يَأْتِينَ} صفة ل {كل ضامر} لأنه في معنى الجمع. وقرأ عبد الله {يأتون} صفة للرجال والركبان {مِن كُلّ فَجّ} طريق {عَميِقٍ} بعيد. قال محمد بن ياسين: قال لي شيخ في الطواف: من أين أنت؟ فقلت: من خراسان. قال: كم بينكم وبين البيت؟ قلت: مسيرة شهرين أو ثلاثة. قال: فأنتم جيران البيت؟ فقلت: أنت من أين جئت؟ قال: من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فاكتهلت. قلت: والله هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة فقال:
زر من هويت وإن شطت بك الدار *** وحال من دونه حجب وأستار
لا يمنعنك بعدٌ عن زيارته *** إن المحب لمن يهواه زوّار


واللام في {لّيَشْهَدُواْ} ليحضروا متعلق ب {أذن} أو ب {يأتوك} {منافع لَهُمْ} نكرها لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادة، وهذا لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم، أو بالمال كالزكاة، وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الأثقال وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان، والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء. فالحاج إذا دخل البادية لا يتكل فيها إلا على عتاده، ولا يأكل إلا من زاده، فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب بحر الوفاء لا ينفع وحدته إلا ما سعى في معاشه لمعاده، ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس به من أوراده، وغسل من يحرم وتأهبه ولبسه غير المخيط وتطيبه مرآة لما سيأتي عليه من وضعه على سريره لغسله وتجهيزه. مطيباً بالحنوط ملففاً في كفن غير مخيط. ثم المحرم يكون أشعث حيران فكذا يوم الحشر يخرج من القبر لهفان، ووقوف الحجيج بعرفات آملين رغباً ورهباً سائلين خوفاً وطمعاً وهم من بين مقبول ومخذول كموقف العرصات {لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] والإفاضة إلى المزدلفة بالمساء هو السوق لفصل القضاء، ومنى هو موقف المنى للمذنبين إلى شفاعة الشافعين، وحلق الرأس والتنظيف كالخروج من السيئات بالرحمة والتخفيف، والبيت الحرام الذي من دخله كان آمناً من الإيذاء والقتال أنموذج لدار السلام التي هي من نزلها بقي سالماً من الفناء والزوال غير أن الجنة حفت بمكاره النفس العادية كما أن الكعبة حفت بمتالف البادية، فمرحباً بمن جاوز مهالك البوادي شوقاً إلى اللقاء يوم التنادي. {وَيَذْكُرُواْ اسم الله} عند الذبح {فِى أَيَّامٍ معلومات} هي عشر ذي الحجة عند أبي حنيفة رحمه الله وآخرها يوم النحر وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وأكثر المفسرين رحمهم الله وعند صاحبيه هي أيام النحر وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} أي على ذبحه وهو يؤيد قولهما والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز.
{فَكُلُواْ مِنْهَا} من لحومها، والأمر للإباحة، ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران لأنه دم نسك فأشبه الأضحية، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا {وَأَطْعِمُواْ البائس} الذي أصابه بؤس أي شدة {الفقير} الذي أضعفه الإعسار.


{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه. قيل: قضاء التفث قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث: الوسخ والمراد قضاء إزالة التفث. وقال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: قضاء التفث مناسك الحج كلها {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه: وفى بنذره وإن لم ينذر، أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم، {وليوفوا} بسكون اللام والتشديد: أبو بكر {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الزيارة الذي هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل. اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبي عمرو {بالبيت العتيق} القديم لأنه أول بيت وضع للناس بناه آدم ثم جدده إبراهيم، أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها، وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية، أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان، أو من أيدي الجبابرة؛ كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله، أو من أيدي الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء، فإن الطالب إذا هاجته معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل، فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقاً ولم يفده التشفي باستلام الحجر إلا احتراقاً، فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله في الدوران، وطواف الزيارة آخر فرائض الحج الثلاث، وأولها الإحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه، كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام وترتفع ألف حوبة بتوبة. وثانيها الوقوف بعرفات بسمة الابتهال في صفة الاهتبال، وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8